والذي يجب أن نؤكده أن الوقاية دائماً خير من العلاج، وأن الكف عن حقوق الناس وأعراضهم ودمائهم وأموالهم وكل ما يمكن أن ينالك من جهتهم هو أعظم أبواب السلامة، ولا تعدل بالسلامة شيئاً مهما كانت الأدوية، فلا شيء يعدل السلامة من الأمراض، فأوصد هذا الباب، وإني لأعجب أشد العجب من وقوع بعض الناس في غيبة من لا يحتاجون إلى غيبته، فالغيبة حرام ولو احتجت إلى أن تغتابه؛ فالله تعالى يقول: (( لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ ))[النساء:148]، فكيف بغيبة من لا حاجة بك إلى غيبته بأي وجه من الوجوه؟! فتقول: فلان فعل وفلان فعل، وقد يكون بينك وبينه آلاف الأميال، وقد لا يكون لك علاقة في أي حال من الأحوال بما يفعل، فلا تسأل عما أجرم ولا يسأل عما تجرم، فلم تغتابه؟!
وأنبه إلى ما قد أشرنا إليه فيما مضى، وهو أن هذا دليل على فراغ في القلب وعدم اهتمام حقيقي بما ينفع الإنسان، ويدخل هذا في حديث: ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه )، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك في الأمور العادية المباحة؛ فكيف بالأمور المتحقق بأنها ضارة بك وبأعمالك وبقلبك؟! وقد قال بعض العلماء: لو أن إنساناً رأى آخر يمشي في الطريق فقال له: السلام عليكم، أين تذهب؟ لكان سؤاله فضولاً، فمن حسن إسلامك أن تتركه، ولا تستفصل عن أحوال الناس وعن معايشهم مما لا خير فيه، ومن حسن إسلامك أن لا تبحث في أحوال الناس، هذا وأنت ما أسأت ولا اغتبت، فبالله عليك كيف إذا كانت غيبة لا خير فيها ولا مصلحة بأي حال من الأحوال؟! فهذا أدعى إلى أن لا يلج الإنسان هذا الباب أبدا، وقد قال بعض السلف: (علامة إعراض الله عز وجل عن العبد أن يشغله بما لا يعنيه)، فدقق النظر في هذه العبارة ودقق النظر في أحوال الناس، وانظر إلى أكثر الناس إقبالاً على الله فستجدهم دائماً مشتغلين بما يعنيهم، بل تجد أوقاتهم تضيق بما يعنيهم ولا تستوعبه أبداً، وانظر إلى الذين هم معرضون عن الله والله معرض عنهم فستجد أكثر أوقاتهم يشغلونها بما لا يعنيهم وبما لا خير فيه حتى فضول العلم والمسائل العلمية الاستنباطية التي يفرعها العلماء.
ولهذا نهى العلماء عن الأحاجي والألغاز الفقهية؛ لأنها إضاعة للوقت فيما لا خير فيه من العلم الذي لا ينفع، فهي منهي عنها وفيها علم، فبعضها يكون في الفرائض، وبعضها في أحكام الطلاق، ولكنها على سبيل الإلغاز والمحاجاة.
فلذلك يجب على الإخوة الكرام أن يتنبهوا لهذا الأمر، وأن يكفوا ألسنتهم وأيديهم وقلوبهم، ولهذا أرشدنا الله إلى دعاء أهل الدين من مستحقي الفيء فقال: (( وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا ))[الحشر:10]، فالغل والضغينة والحقد في القلب حرام ولو لم يقارنه قول باللسان ولا عمل باليد، وهو كبيرة من الكبائر، ولا يجوز.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.